الأربعاء، 14 مايو 2014

تُرى كيف اتته الجُرأة وكيف اوصلته خطواته؟؟

حدث أن فاتتني صلاة الفجر
وهي صلاة من كان يحافظ عليها ثم فاتته
فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم ..
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني
فقلت لا بد وأن في الأمر شيئا ..
ثم تكرر ذلك للمرة الثالثة على التوالي

هنا كان لابد أن أقف مع نفسي وقفة حازمة
حتى لا تركن لمثل ذلك فتذهب بي إلى النار 
قررت أن أدخل القبر حتى أؤدب نفسي
فلابد من أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منزلها
ومسكنها إلى ما يشاء الله
لكنني كل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غدا ..
وجلست أسوف في هذا الأمر
حتى فاتتني صلاة الفجر مرة أخرى
حينها قلت : كفى ..
وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة ..
ذهبت بعد منتصف الليل حتى لايراني أحد
وقفت قليلا أأدخل من الباب أم أتسور السور ؟
اتجهت صوب الباب فلعل حارس المقبرة غير موجود
لكن إن كان موجود سأوقظه وربما منعني
أو طلب مني المجيء في النهار وحينها يضيع قسمي
فقررت أن أتسور السور ..تلثمت
رفعت ثوبي واستعنت بالله وتسلقت ..
برغم انني دخلت هذه المقبرة مرات ومرات مشيعا
إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة
إلا أنني أكاد أقسم أنني مارأيت أشد منها سوادا
كانت تلف المكان ظلمة حالكة .. سكون رهيب
هذا هو صمت القبور بحق 
تأملتها كثيرا من أعلى السورواستنشقت هواءها
نعم إنها رائحة القبور .. أميزها عن ألف رائحة ..
رائحة الحنوط .. رائحة تحمل طعم الموت
جلست أتفكر للحظات مرت كالسنين
إيه أيتها القبور .. ما أشد صمتك
وما أشد ماتخفيه ضحك ونعيم ..وصراخ وعذاب أليم
ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟
لعلهم سيقولون مقولة الحبيب صلى الله عليه وسلم :

(( الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم ))
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة
فلو رآني أحد فسيقول إنني مجنون أو لدي مصيبه
وبالفعل لدي مصيبة كبيرة
وأي مصيبة أكبر من ضياع صلاة الفجر عدة مرات
هبطت داخل المقبرة احسست حينها برجفة في القلب
التصق بالجدار ولا ادري ممَّ أحتمي ؟
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية المرور

فوق القبور وانتهاكها ..أنا لست جبانا
لكنني شعرت بالخوف حقاً
نظرت الى الناحية الشرقية حيث القبور المفتوحة
فاغرة أفواهها تنتظر ساكنيها ..
إنها أشد بقع المقبرة سواد .. كأنها تناديني
مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيّ ؟
أمشي محاذرا بين القبور .. وكلما تجاوزت قبرا
تساءلت : أشقي أم سعيد ؟
شقي بسبب ماذا ؟ أضيع الصلاة مثلي ؟
أم كان من اهل الفواحش والربا ؟
ربما كان عاقا لوالديه
أو كان من اهل الغناء والطرب ؟
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن
انه أشد اهل الارض قوة .. وأن شبابه لن يفنى
وأنه لن يموت كمن مات قبله
أو انه كان يقول : مازال في العمر بقية ففاجأه هادم اللذات
سبحان من قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر .. حتى اذا وصلت إليه
وضعت قدمي عليه أسرعت نبضات قلبي
فالقبور عن يميني وعن يساري
بدأت أولى خطواتي .. بدأت وكانها دهر

أين سرعة قدميَّ .. ما أثقلهما الآن .
رفعت بصري الى الناحية الشرقية
تمنيت أن تطول المسافة ولاتنتهي أبدا
لأنني أعلم ماينتظرني هناك ..
أعلم .. فقد رأيت القبر كثيرا
ولكن هذه المرة مختلفة تماما
أفكار عجيبة أكاد أسمع همهمة خلف أذني
خفت أن أنظر خلفي
خفت ان أرى أشخاصا يلوِّحون إليَّ من بعيد
خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت
بالتأكيد إنها وسوسة من الشيطان
لايهمني شيء طالما قد صليت العشاء في جماعة
أخيرا .. أبصرت القبور المفتوحة 
أقسم للمرة الثانية أنني مارأيت أشد منها سواداً
كيف أتتني الجرأة وكيف أوصلتني
خطواتي إلى حافة القبر ؟
بل كيف سأنزل في هذه الحفرة الضيقة ؟
وأي شيء ينتظرني داخلها ؟

فكرت بالاكتفاء بالوقوف أو ان أُكفِّر عن قسمي
ولكن لا ..لن أصل إلى هنا ثم أقف يجب أن أكمل
لن انزل إلى القبر مباشرة
بل سأجلس خارجه قليلا حتى تأنس نفسي
ما أشد ظلمته .. وما أشد ضيقه
كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون
حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ؟
سبحان الله 
يبدو أن الجو قد ازداد برودة؟
أم هي قشعريرة في جسدي من هول هذا المنظر ؟
هل هذا صوت الريح ؟! ليست ريحا
لا أرى ذرة غبار في الهواء هل هي وسوسة أخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم
أنزلت شماغي ووضعته على الارض
ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري
أتأمل هذا المشهد العجيب ..
إنه المكان الذي لامفر منه أبدا ..

سبحان الله نسعى لكي نحصل على كل شيء
وهذه هي النهاية : لاشيء ...
كم تنازعنا في هذه الدنيا .. اغتبنا
تركنا الصلاة آثرنا الغناء على القرآن ..
والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا

وقد حذرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل .!
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديت بصوت خافت
وكاني أخشى أن يرد عليَّ أحد :
يا أهل القبور .. مالكم ؟
أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم
وسقطت دمعة ابكي حالي ومصيري

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق