الخميس، 30 أكتوبر 2014

نافذة على الأموات

إحدى اﻷخوات سكنت في مكة للدراسة
ولم تكن تعلم أن بجوار سكنها مقبرة
وحين فتحت نافذتها
وشاهدت المقبرة كانت هذه الكلمات
لم أنزعج أبدًا حين فتحت نافذة الغرفة
لأجدها مطلة على مقبرة قريبة
لاتبعد عنا إلا بعرض الشارع
الذي يفصل بيننا وبينها
كان الزحام شديدًا حين اضطررنا
للسكن في أي بقعة
شرط أن تكون داخل حدود الحرم

وحين رأيتها لأول وهلة ترددت

في هذه المساحة الواسعة المسورة والخالية
عدا من خطوط بارزة على أرضها
ترى ماذا عساها تكون ؟
احتجت بضع لحظات لأجزم بأنها مقبرة
الشيء الذي لايمكنني أن أراه إلا في الصور
والمكان الذي لايسمح لي

بدخوله إلا ميتة
وأقولها صراحة وأنا لا أدري
هل كان يحق لي أن أطيل النظر فيها أو لا ؟
إلا أني وجدتني مندفعة لتأملها
والنظر فيها معظم الوقت
حيث انتابني شعور مهيب لا أملك وصفه
إنها فرصتي التي ربما لا تتكرر
أن أتأمل في المكان
الذي سأسكن في مثله ولابد ..
ورغم مايقال عن المقابر ووحشتها
إلا أني كنت أراها من الأعلى
مشرقة نظيفة مرتبة
شدني ذلك الترتيب والتنظيم
في صف القبور وتسويتها
إذ لايميزها إلا ارتفاع بسيط
وبعض ممرات رئيسية بينها 
كانت القبور في عيني كأسنان المشط
لا فرق فالصورة واحدة
ولكن حتما حقائق مافي الداخل مختلفة
ففيها من كل أصناف الناس
ولكنك لاتدري من في حياة البرزخ جارك 
لا يملك المثقف أن ينزوي عن الجاهل
كما كان يفعل في الدنيا
ولا أصحاب المناصب عن العامة
فهنا ينام الحقير إلى جنب الوزير
والأمير بظهر الفقير
والصالح مع المنافق والفاسق جنبًا إلى جنب
كلهم فيما أراه سواء لافرق البتة
قد سمعت هذا كثيرًا وقرأته كثيرًا
ولكن ليس الخبر كالمعاينة
وليس من رأى المقابرأكثر من مرة
كمن يراها لأول مرة
وخارج أسوار المقبرة وعالمها الساكن
عالم يضج بالحركة والحياة
الناس بين ساع ومهرول
وبين ماش بسكينة ووقار
كل له شأن
والنهاية بينهم وبينها بضعة أمتار
ولكن .. رغم هيبة المنظر
إلا أنه بدا مألوفًا معتادًا للناس
أن يكون خلف هذا الجدار أناس مثلهم
قد انتهت صلاحيتهم للحياة
مسورون تحت التراب
لأنهم لو تركوا في العراء يتعفنون
ويفسدون على الأحياء حياتهم 
كنا في الغالب نسكن إلى جوار الحرم
لنطل في كل لحظة على صحن الحرم
وساحاته لنرى أناسًا يعملون
فنزدري أعمالنا ، يتعبون فنحتقر تعبنا
يتسابقون فنحاول أن نتأسى بهم
وأن نكون مثلهم 
أما هذه المرة فنطل على أناس
لايملكون تسبيحة ولاتحميدة
ولاحسنة واحدة
إنهم يقولون لي بلسان حالهم
لاتتوقفي ولا تفتري
افعلي مالانستطيع فعله
واعملي قبل أن لاتستطيعي أن تعملي
كان الدافع هذه المرة مختلف تمامًا
لا أدري هل نفعتهم وأنا أبتهل لهم
كلما رأيتهم أن يغفر الله لهم ويرحمهم
بقدر ما نفعتني رؤية قبورهم الساكنة أمامي
صورة المقابر الحية هذه المرة
أحيت في قلبي الكثير 
رأيت الحياة قصة قصيرة للغاية
بدت في عيني كبابان متقابلان
ندخل من هذا لنخرج من ذاك
مجردين كما دخلنا
ليكون كل ما أعطيناه في الدنيا
من معطيات ومكاسب وممتلكات 
لا تتعلق وتتمسك بما في يدك
إنما هو عارية
لاتنظر لما في يد غيرك
لاتزدري نعمتك ، لاتحتقر غيرك
ولاتغتر بمن حولك
وانشغل بنفسك وركز همتك
وجد واجتهد لتحقق الغاية
التي خلقت من أجلها 
الوقت قصير، وعما قريب
نخرج من الباب مكرهين
ونتوسد التراب ونصطف
إلى جنب الأموات بكل أنواعهم
وطبقاتهم ومستوياتهم وثقافاتهم
لايميزنا عنهم إلا شيء واحد
( ما عملناه وفق معطياتنا )
حينها سندرك أن حقائق الأعمال
عند الله ومثاقيلها وموازينها
ليست كما تبدو لنا هنا
و أن صدقة الفقير ليست كصدقة الغني
وسعي الضعيف ليس كسعي القوي
ومواقع الأعمال عند الله
لها قرع مختلف تمامًا
عما نسمع هنا
اعمل ولا تلتفت ..
هناك فقط ستسمع النتيجة
وتعيشها .. حلوة كانت أو مره
( يارب أيقظنا من غفلتنا )
وكفى بالموت واعظًا

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

هناك 8 تعليقات:

  1. الموت حق
    وهذا طريقنا جميعآ
    ولكن نساله حسن الخاتمه لي ولكم ولجميع المسلمين الموحدين
    وان يجعلنا من 70000الي اصفاهم رب العباد اللهم امين
    اخوكم فهد الزهراني

    ردحذف
  2. حتى هنيا الاول
    الله يرحمنا برحمته
    كلام صدق يعور
    يعطيك الصحه والعافيه يالغلا
    بس اهم شي الاول
    ههههههههههه
    عبدالله الثمالي

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين
      راح تكون الأول دومآ كلما احببت نفسك اكثر
      يعافيك ربي واشكرك على تواجدك معنا
      ارق تحيه لشخصك

      حذف
  3. جزاك الله خير رسـم
    كالعادة لازلتِ متميزه بما تطرحينه
    لا أزال متابعه
    موفقه ، بإنتظار ل جديدك ^^

    ردحذف
    الردود
    1. هلا وغلا هاجرسعيده بمتابعتك واتمنى تواجدك الدائم
      حبي وتقديري لك

      حذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين....
      كل الشكر والتقدير لما اضفته ومادونته وفعلآ نحن بحاجه لكل مايوقظ قلوبنا والتفكر بعمق في منازل الآخره
      فهذه الحياه زاد لحياة باقيه ابديه إما نعيم دائم او عذاب والذي نتوسل الله ان يرحمنا ويعفو عنا ويجمعنا في جناته من غير حساب ولاسابقة عذاب آمين.....
      اشكر متابعتك التي اعتز بها
      لك حبي وتقديري

      حذف