الخميس، 22 أغسطس 2013

الرَكضْ خَلفْ السَرَابْ

كَثيراً مَا تُفنى الأعمَار
وتُهدر الطاقَات فِي مَشقة الرَكض الدَؤوب
خَلف السرَاب لوجُود اليقِين بدَاخل مَن يَتبعه
بِأن يتحَول ذَلك السرَاب إلَى مَاء
والحِلم يتَحقق بَعد المنَام وَغدا فِي داخِل النفُوس
تنمُو خُصلة التسَارع والتسَابق والعَجلة
وكأننَا فِي مَاراثون ليسَ لهْ نهَاية لنبلغهَا

ورُغم ذَلك نرْكض خَلفه بلهَاث مُستمر
عَلى أمَل الوصُول إلَى تِلك النهَاية
فهُناك مَن يَحلم بوظِيفه يَسيرة الدَخل
يَعتز بمردودهَا المَالي مِن ذُل السُؤال
وثانِي يبحَث عَن منصِب يُحقق مِن خِلاله
طموحَاته الدُنيوية التِي تَهفو إليهَا نَفسه


وثَالث يَبحث عَمن يَصعد عَلى أكتَافهم
سُلم النَجاح دُون عَناء ، ورَابع وخَامس ...
ولكِن أكثَر مَا يَركض خَلفة هَذا وذَاك جَمع المَال
بوسَائل العَصر الحدِيثة التِي يُجيدوا
فَن التعَامل معهَا بأساليبهَا
فَطبيعة الإنسَان تَحثة عَلى مُضاعفة العَمل
لِيزداد مَكسبة ويَكثر مَاله ، وهْو مَطلوب مَحبوب
وأَن الإسْلام لا يمنَع طلَبه عَن طَرق طيبَه
ويَحرض عَلى كسْبه ، وحُسن التصرُف بِه
لتقضَى الحُقوق ، وتؤدَى الواجبَات
وتصَان الحرمَات ، فالمالْ الصَالح قوَام الحيَاة
والحَث عَلى تحصِيله وحُسن تَدبيره
وتثمِيره مِن الأمُور المُحببة
فِي حُدود مَا أوضَحه العَاطي
ولكِن هناك مَن تَجده مُنذ شرُوق الشَمس
يَركض ويَركض ويَركض فِي رِحاب الحيَاة
مِن شَرقها إلَى غربهَا بَحثاً عَن المَال{ زِينَةُ الْحَيَاةِ }
والتعَامل مَع طُرق نمَائه كَيف مَا كَان
متَجاهلاً الرِضا بمَا رَزقه الله
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
ويَغفل عَن قولِه تعَالى
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه)
أوْ القنَاعة بأن الأرزَاق محدُودة
{وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}
وفِي ذَلك حِكمة إلاهِية يجهلهَا المَخلوق ويعلمهَا الخَالق
ومَع ذَلك يتَجاهل كُل شيء ولَيس لَه طُموح فِي حَياته
سِوى جَمع المَال ليَصبح عَبداً لَه
قَال عَليه الصَلاة والسَلام :
( تعِسَ عبدُ الدّينار وعبدُ الدّرهم وعبدُ الخميصة
إن أعطِي رضِي ، وإن لم يُعْط سخِط )
ومَهما جَرى فَي هذِه الدُنيا وركَض وفَعل
لَن يجنِي مِنه إلَا مَا كُتب لَه

والنَاظر لِما هُو حَاصل فِي هَذا الزَمن
مِن حُب المَال والفِتنه بِه دُون بَاقي النِعم
يتَحسر عَلى قِيم وأخلاقِيات الزَمن المَاضي
المَليء بالمُثل الإنْسانية العَميقة
التِي فُقدت فِي عصرَنا الحَاضر
ومَن أصْدق مِن الله قِيلاً
{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا }
لَو كُنت أعلمْ سِر مَا ركَضت خَلفه
سَراباً ولَا شَيء يعنِي هَذا الوجُود
لما كُنت أجهَدت نفسِي طائِشاً
ومَشيت المسَافات فِي طرِيق مسدُود
نبيه بن مراد العطرجي
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق